
رحلة بين عالمين … الفرق بين الأحلام و الرؤى
نحن غالبًا ما نخلط بين الأحلام و الرؤى، ونعتقد أنّهما وجهان لعملة واحدة، لكن في الحقيقة هناك فرقٌ دقيقٌ بينهما، ينعكس على معناهما وأهميتهما في حياتنا.
الأحلام
الرؤى
و تتميز بوضوحها ودقتها، حيث تكون الأحداث والأشخاص مُحدّدةً ومفهومةً ففي الرؤى، لا نرى رموزًا مُبهمةً، بل نرى أشياءً واقعيةً وواضحةً. و يُمكن للمؤمن أن يسعى لتحقيق الرؤى الصالحة من خلال الدعاء والعمل الصالح، فإذا رأى شخصٌ ما في منامه رؤيا صالحةً، فهذا يعني أنّ الله تعالى يُريد منه أن يسعى لتحقيقها من خلال بذل الجهد والعمل. وأنواعها محددة و تُصنّف إلى رؤى صادقة و رؤى من الشيطان و رؤى مُحيرة، فالرؤى الصادقة هي رسائلٌ من الله تعالى، بينما الرؤى من الشيطان هي أحلامٌ مُخيفةٌ تُسبب لنا القلق والتوتر، بينما الرؤى المُحيرة هي أحلامٌ غامضةٌ يصعب فهمها.
رؤيا سيدنا إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل:
من أعظم قصص القرآن الكريم وأبلغها دلالة على إيمان سيدنا إبراهيم عليه السلام وإخلاصه لله تعالى، هي قصة رؤياه بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام.
فقد ورد في القرآن الكريم:
وَإِذْ رَأَى إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ قَالَ أَهَذَا قُرْبَانًا قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَأَنْظُرْ مَا ذَا رَأْيِكَ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ أَنْتَ تَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (سورة الصافات، الآية 104).
ففي هذه الآيات الكريمة، يُخبرنا الله تعالى عن أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام رأى في منامه أنه يُضحي بابنه إسماعيل عليه السلام.
ولكن هل كانت هذه الرؤيا من الله تعالى أم من الشيطان؟
يُعتقد الكثير من المفسرين أنّ هذه الرؤيا كانت من الله تعالى، وذلك للأسباب التالية:
- كان سيدنا إبراهيم عليه السلام من أشدّ الناس إيمانًا وتقوى، ولم يكن يُصدق أيّ رؤيا دون أن يتأكد من صحتها، وكان يحبّ ابنه إسماعيل حبًا شديدًا، ولم يكن يُفكر في ذبحه أبدًا ورغم ذلك لم يتردد سيدنا إبراهيم عليه السلام في اتباع رؤياه، بل أطاع الله تعالى دون ترددٍ أو شكّ ثم بعد ذلك نزل الوحي على سيدنا إبراهيم عليه السلام بعد ذلك ليُفديه بذبح كبش.
رؤيا النبي محمد صل الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة المنورة :
من أهمّ الأحداث في تاريخ الإسلام، هي هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
وقد سبقت هذه الهجرة المباركة رؤيا صادقة من الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، روى عنها الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال:
“بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أرى في المنام أني أخرج من مكة مهاجرًا إلى المدينة، وأرى أني أقدم المدينة، وأرى أني فيها على رُحلين، ثم يأتيني رجلٌ بِرَحْلٍ ثالثٍ، فأركبُه، ثم أخرج من المدينة، وأرى أني أقدم مكة، فأدخلُ المسجد الحرام، فأطوف بالكعبة، ثم أخرج فأقدم الصفا، فأقوم عليه، وأرى الناس ينظرون إليّ.”
فاستيقظ أبو بكر رضي الله عنه من نومه، وذهب إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقال له: “يا رسول الله، إني رأيتُ مثل الذي رأيتَ”.
فقال له النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “فذلك هو، والله لَتَمْهَجَنَّ المدينة كما هجرتَ مكة.”
وبالفعل، لم يمضِ وقت طويل حتى واجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في مكة المكرمة أشدّ أنواع الاضطهاد والتعذيب من قِبل قريش.
وفي ليلةٍ مظلمةٍ، اجتمع النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في دار الأرقم، واتفقوا على الهجرة إلى المدينة المنورة.
وخلال هذه الليلة، جاء الدينار أبو الدّينار إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومعه إبلٌ من قريش ليُقلّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة.
وبدأت رحلة الهجرة المباركة، حيث خرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة، متسللاً من بين أعدائه متجهًا إلى المدينة المنورة.
وفي الطريق، لقي النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه في غارٍ على جبل ثور، فانضما إلى بعضهما وتابعا رحلتهما.
وبعد رحلةٍ شاقةٍ، وصل النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، في يوم 20 ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة.
وقد استُقبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة المنورة بحفاوةٍ وترحيبٍ كبيرين من قبل الأنصار.
رؤيا نابليون بونابرت وفتح مصر :
من أشهر القصص التاريخية التي تُظهر تأثير الأحلام والرؤى على مسار الأحداث، هي قصة رؤيا نابليون بونابرت وفتح مصر، ففي عام 1798، كان نابليون بونابرت قائدًا عسكريًا شابًا طموحًا في فرنسا، وكان يُحلم بتحقيق إنجازاتٍ عظيمةٍ تُخلّد اسمه في التاريخ.
وفي ليلةٍ من الليالي، يُقال أنّ نابليون رأى في منامه رجلًا ذا لحية بيضاء يُنادي عليه قائلاً: “اتجه شرقًا، حيث ستجد مجدًا عظيمًا ينتظرك.”
تأثّر نابليون بهذه الرؤيا، فبدأ يُفكّر في غزو مصر، وَذلك لأسبابٍ عديدةٍ، منها موقعها الاستراتيجي المهم، و ثرواتها الطبيعية، و رغبة نابليون في إحياء إمبراطورية روما القديمة.
وفي عام 1798، قاد نابليون جيشًا فرنسيًا ضخمًا لغزو مصر،** وَنجح في هزيمة المماليك والسيطرة على البلاد وبالرغم من أنّ غزو نابليون لمصر لم يكن ناجحًا على المدى الطويل، إلا أنّ هذه الحملة كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على التاريخ.
فقد أدّت إلى نشر الأفكار الفرنسية التنويرية في العالم العربي، وَساعدت على إطلاق حركة التحديث والنهضة في مصر كما أنّها أدّت إلى اكتشاف العديد من الآثار المصرية القديمة، وَذلك بفضل بعثةٍ علميةٍ فرنسيةٍ رافقت نابليون في حملته.
وتُعدّ قصة رؤيا نابليون بونابرت وفتح مصر من الأمثلة على تأثير الأحلام والرؤى على مسار الأحداث، وَكيف أنّها قد تُلهم الناس لاتخاذ قراراتٍ عظيمةٍ تُغيّر مجرى التاريخ.
ولكن، من المهم أن نُشير إلى أنّ هذه القصة هي مجرد روايةٍ تاريخيةٍ، وَلا يوجد دليلٌ علميٌّ يُؤكّد صحة رؤيا نابليون ولكن، بغض النظر عن صحة الرؤيا من عدمها، فإنّها تُظهر تأثير الأفكار والمعتقدات على سلوك الإنسان، وَكيف أنّها قد تُدفعه لتحقيق أحلامه وطموحاته.